بعد أن تمت المصالحة بين حركة فتح وحماس، لا أعرف من الذى يمكن أن يتوسط لإنجاز المصالحة بين الإعلام المصرى والفلسطينيين. ذلك أن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن الإعلام المصرى شن حملة واسعة ضدهم فى ظل النظام السابق. ونجح فى تشويه إدراك قطاعات عريضة من الجماهير وإحداث وقيعة بين الشعبين عبأت كثيرين بمشاعر السخط والنفور. وهذه المشاعر السلبية لاحقت الفلسطينيين الذين يفدون إلى مصر أو يقيمون ويدرسون فيها. ولدى رسائل عديدة من فلسطينيين اشتكوا من سوء معاملتهم فى مطار القاهرة ومعبر رفح، ومنهم من كتب إلىّ متمنيا أن يعاملوا فى رفح بمثل معاملة الإسرائيليين فى طابا. وانتابنى شعور بالخزى حين سمعت من بعض الطلاب الفلسطينيين الذين يدرسون فى الجامعات المصرية أنهم أصبحوا يخفون هوياتهم ولا يعلنون عن انتمائهم حتى لا يتعرضوا لما لا يحبون من تجريح وإساءة من جانب بعض زملائهم المصريين.
أما الذى لم أفهمه ولم أتخيله فهو التعذيب الذى ظل يتعرض له الفلسطينيون الذين يوقعهم حظهم العاثر فى أيدى أجهزة الأمن المصرية لسبب أو لآخر. ولدى قصة رجل قد قضى 12 سنة فى سجون إسرائيل ثم أمضى شهرا فى أحد السجون المصرية، لكنه لايزال يعتبر اليوم الواحد فى السجن المصرى أقسى عليه وأشد وطأة من كل السنوات التى قضاها فى السجون الإسرائيلية.
ذلك كله ما كان له أن يحدث لولا المتغير الذى طرأ على السياسة المصرية فى عهد مبارك. وبمقتضاه غضبت القاهرة على منظمات المقاومة الفلسطينية وفى مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامى، ثم تحول الغضب إلى عداء بعد تولى حماس السلطة فى غزة فى عام 2007.
على الصعيد الإعلامى، أجج المشاعر ضد الفلسطينيين عامة وحركة حماس بوجه أخص إعلاميون مصريون يتوزعون على ثلاث فئات. الأولى ضمت ما يمكن أن نسميه اللوبى الإسرائيلى فى الصحافة المصرية، الذى ضم كتابا وصحفيين تعلقوا بفكرة السلام مع إسرائيل، وانخرطوا فى أنشطة عبرت عن التعاطف مع الموقف الإسرائيلى. الثانية ضمت أبواقا للسلطة المصرية وجهاز أمن الدولة فى وسائل الإعلام المختلفة قاموا بهذه المهمة وتولوا تصفية حسابات القاهرة مع حركة حماس. الفئة الثالثة ضمت صحفيين استخدمتهم بعض عناصر السلطة الفلسطينية وقيادة جهازها الأمنى لتشويه صورة حماس والكيد لها وإشاعة الأخبار التى تشحن الرأى العام المصرى ضدها، للضغط عليها وإحكام الحصار من حولها.
سواء كان موقف النظام السابق فى مصر المعادى لحركة حماس امتدادا لموقفه من حركة الإخوان المسلمين فى الداخل، أو أنه كان تعبيرا عن التضامن مع الموقفين الإسرائيلى والأمريكى. فالشاهد أن الإعلام قام بدوره فى إيغار صدور المصريين ونفورهم من فلسطينيى غزة فى كل مناسبة، وانسحب ذلك على عموم الفلسطينيين بمضى الوقت. إذ صورهم الإعلام بحسبانهم خطرا يهدد أمن مصر القومى، فتارة يحذر من أن حماس بصدد إقامة «إمارة إسلامية» مدعومة من إيران، الأمر الذى يمدد نفوذ طهران إلى حدود مصر. وتارة يقال إنهم يسعون إلى إثارة الفوضى والأعمال التخريبية فى البلاد، وفى حين ثالث يروج الإعلام للادعاء بأنهم يتطلعون إلى الزحف على سيناء والاستيطان فيها.
التعبئة الإعلامية المضادة للفلسطينيين بلغت ذروتها فى ثلاث حالات بوجه أخص، هى: حين ضاق أهل غزة بالحصار وحاولوا كسره واجتياز بوابة رفح بالقوة ــ وحين قتلت رصاصة طائشة أحد الجنود المصريين من حراس الحدود ــ وحين أقيم السور العازل بين سيناء والقطاع بحجة قطع الطريق على الأنفاق وإبطال مفعولها فى التواصل بين الجانبين. فى هذه الحالات، وفى غيرها بطبيعة الحال، قام الإعلام بدوره فى تخويف المصريين من خطر «الاجتياح» الفلسطينى وتعمد قتل المصريين وقيل فى تبربر إقامة السور العازل أنه لمنع وصول «المخربين» وتهريب السلاح إلى داخل مصر.
هذه اللغة لاتزال مستمرة فى الإعلام المصرى وإن بدرجة أخف، حيث لايزال «محور الشر» فى خطابنا الإعلامى يضم الثلاثى: حماس وحزب الله وإيران. وهو أمر لا يخلو من منطق، ذلك أن التطبيع مع إسرائيل كان يقتضى القطيعة مع خصومها التقليديين. لذلك فيبدو أن المعادلة كلها باتت بحاجة إلى إعادة نظر، بأكثر من حاجتها إلى وسيط لتحقيق المصالحة المرجوة.
أما الذى لم أفهمه ولم أتخيله فهو التعذيب الذى ظل يتعرض له الفلسطينيون الذين يوقعهم حظهم العاثر فى أيدى أجهزة الأمن المصرية لسبب أو لآخر. ولدى قصة رجل قد قضى 12 سنة فى سجون إسرائيل ثم أمضى شهرا فى أحد السجون المصرية، لكنه لايزال يعتبر اليوم الواحد فى السجن المصرى أقسى عليه وأشد وطأة من كل السنوات التى قضاها فى السجون الإسرائيلية.
ذلك كله ما كان له أن يحدث لولا المتغير الذى طرأ على السياسة المصرية فى عهد مبارك. وبمقتضاه غضبت القاهرة على منظمات المقاومة الفلسطينية وفى مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامى، ثم تحول الغضب إلى عداء بعد تولى حماس السلطة فى غزة فى عام 2007.
على الصعيد الإعلامى، أجج المشاعر ضد الفلسطينيين عامة وحركة حماس بوجه أخص إعلاميون مصريون يتوزعون على ثلاث فئات. الأولى ضمت ما يمكن أن نسميه اللوبى الإسرائيلى فى الصحافة المصرية، الذى ضم كتابا وصحفيين تعلقوا بفكرة السلام مع إسرائيل، وانخرطوا فى أنشطة عبرت عن التعاطف مع الموقف الإسرائيلى. الثانية ضمت أبواقا للسلطة المصرية وجهاز أمن الدولة فى وسائل الإعلام المختلفة قاموا بهذه المهمة وتولوا تصفية حسابات القاهرة مع حركة حماس. الفئة الثالثة ضمت صحفيين استخدمتهم بعض عناصر السلطة الفلسطينية وقيادة جهازها الأمنى لتشويه صورة حماس والكيد لها وإشاعة الأخبار التى تشحن الرأى العام المصرى ضدها، للضغط عليها وإحكام الحصار من حولها.
سواء كان موقف النظام السابق فى مصر المعادى لحركة حماس امتدادا لموقفه من حركة الإخوان المسلمين فى الداخل، أو أنه كان تعبيرا عن التضامن مع الموقفين الإسرائيلى والأمريكى. فالشاهد أن الإعلام قام بدوره فى إيغار صدور المصريين ونفورهم من فلسطينيى غزة فى كل مناسبة، وانسحب ذلك على عموم الفلسطينيين بمضى الوقت. إذ صورهم الإعلام بحسبانهم خطرا يهدد أمن مصر القومى، فتارة يحذر من أن حماس بصدد إقامة «إمارة إسلامية» مدعومة من إيران، الأمر الذى يمدد نفوذ طهران إلى حدود مصر. وتارة يقال إنهم يسعون إلى إثارة الفوضى والأعمال التخريبية فى البلاد، وفى حين ثالث يروج الإعلام للادعاء بأنهم يتطلعون إلى الزحف على سيناء والاستيطان فيها.
التعبئة الإعلامية المضادة للفلسطينيين بلغت ذروتها فى ثلاث حالات بوجه أخص، هى: حين ضاق أهل غزة بالحصار وحاولوا كسره واجتياز بوابة رفح بالقوة ــ وحين قتلت رصاصة طائشة أحد الجنود المصريين من حراس الحدود ــ وحين أقيم السور العازل بين سيناء والقطاع بحجة قطع الطريق على الأنفاق وإبطال مفعولها فى التواصل بين الجانبين. فى هذه الحالات، وفى غيرها بطبيعة الحال، قام الإعلام بدوره فى تخويف المصريين من خطر «الاجتياح» الفلسطينى وتعمد قتل المصريين وقيل فى تبربر إقامة السور العازل أنه لمنع وصول «المخربين» وتهريب السلاح إلى داخل مصر.
هذه اللغة لاتزال مستمرة فى الإعلام المصرى وإن بدرجة أخف، حيث لايزال «محور الشر» فى خطابنا الإعلامى يضم الثلاثى: حماس وحزب الله وإيران. وهو أمر لا يخلو من منطق، ذلك أن التطبيع مع إسرائيل كان يقتضى القطيعة مع خصومها التقليديين. لذلك فيبدو أن المعادلة كلها باتت بحاجة إلى إعادة نظر، بأكثر من حاجتها إلى وسيط لتحقيق المصالحة المرجوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق