http://biladtiba.blogspot.com/

السبت، 28 مايو 2011

كرامة المواطن خط أحمر

نريد أن نتفق على أن الاعتداء على كرامة أى مواطن فى مصر إهانة لكل المصريين، وطعنة موجهة إلى قلب الثورة، التى ما قامت إلا لترد للشعب المصرى كرامته المستباحة. وأذهب فى هذا الصدد إلى أن تلك الكرامة ينبغى أن تظل الخط الأحمر الثابت الذى لا يسمح لأحد كائنا من كان أن يمسه، وأن أى مساس بذلك الخط ينبغى ألا يمر دون حساب رادع.

ما دفعنى إلى البوح بذلك الكلام أن شعورا بالغضب والمهانة ينتابنى منذ قرأت شهادة أوردها أحد المدونين على الإنترنت (طالب جامعى اسمه مصعب الشامى) يوم 23 مايو الحالى، وكان صاحبنا هذا أحد الذين تظاهروا أمام مبنى السفارة الإسرائيلية فى ذكرى النكبة. وبسبب من ذلك اعتقلته الشرطة العسكرية لعدة أيام. وفى شهادته ذكر مصعب أن أحد ضباط الجيش، وهو يعتقله وصفه بأنه ابن «عاهرة»، فما كان منه إلا أن طلب منه أن يترك أمه فى حالها ويخرجها من الموضوع، وحينئذ ركله الضابط فى وجهه وأسكته.

منذ قرأت هذا الكلام وأنا أعتبر الركلة أصابت وجهى، والعبارة تتردد فى أذنى. إذ ذكرنى تصرف الضابط بسلوك عناصر أمن الدولة قبل 25 يناير. وقلت إن هذا الرجل لم ينتبه إلى أن الدنيا تغيرت. وأن تصرفه يعنى أنه لم يدرك مغزى أن تكون فى البلد ثورة يفترض أن تكون على قطيعة مع ذلك السلوك، بحيث لا يجرؤ ضابط مهما علت رتبته، وأيا كانت الجهة التى ينتمى إليها على أن يتعامل مع أى مواطن مهما صغر شأنه بهذا الأسلوب الجارح.

إذا قيل إن تلك حالة فردية واستثنائية وأن المؤسسة التى ينتمى إليها الرجل، تستنكر التصرف وتستهجنه، فردى أننى قد لا أشك فى ذلك، وسوف أصدق الكلام فى حالة واحدة هى أن يعلن ذلك الرأى على الملأ وأن يحاسب الضابط على ما فعله.

وإذا قيل إن الثورة لم يمض على نجاحها سوى أشهر قليلة، وأننا لا نستطيع فى ذلك الأجل المحدود أن نطالب كل ضابط شرطة أو جيش بأن يعبر عن احترامه ويحسن من لغة مخاطبته للمواطنين، فردى أن هذا مفهوم ولكننا لن نصل إلى تحقيق ذلك الهدف إلا إذا سارعنا إلى محاسبة كل من يثبت أنه اعتدى على كرامة المواطنين، لأن ذلك وحده كفيل بتحذير الآخرين وردعهم.

وإذا قيل إننا تقدمنا خطوة إلى الأمام حين تم إيقاف التعذيب فى السجون والمعتقلات، فردى أن ذلك إذا صح فهو خطوة مقدرة لا ريب يشكر كل من أسهم فيها، ولكننى أذكر بأن الإهانة والإذلال تعذيب نفسى، وأننا لا نسعى إلى تخفيف صور إذلال المصريين وإهدار كراماتهم، وإنما مطلبنا الحقيقى هو طى تلك الصفحة تماما. ووقف كل صور الإذلال والإهانة.

قد يقال أيضا إن الواقعة نسبت إلى ضابط فى الجيش وأن ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية يعد خطا أحمر، وأن تعليمات إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة تقضى بالامتناع عن نشر أى مواد تتعلق بتلك المؤسسة إلا بعد إطلاعها عليها والموافقة على نشرها. وردى على ذلك أنه من حيث المبدأ فإن زمن الخطوط الحمراء انتهى، بمعنى أنه لا ينبغى بعد الثورة أن يكون أى أحد أو أى مؤسسة فوق النقد والمساءلة. وتعليمات الشئون المعنوية بالقوات المسلحة على العين والرأس، لكنها تحتاج إلى ضبط ومناقشة. ذلك أننى أفهم أن ينصرف ذلك الحظر إلى الشأن العسكرى بالدرجة الأولى. أى إلى كل ما يتعلق بأنشطة المؤسسة العسكرية المتعلقة بأمن البلد وسياسة الدفاع أو أى عمل عسكرى من أى نوع. ولا أظن أن اعتداء الشرطة العسكرية على المتظاهرين أو إذلالهم بعد اعتقالهم يعد شأنا عسكريا. وبدلا من أن تحظر الشئون المعنوية نشر أخبار الانتهاكات التى تقوم بها الشرطة العسكرية، فأولى بها والمتوقع منها بعد الثورة أن تمنع وقوع أمثال تلك الانتهاكات من الأساس، وأن تحاسب المسئولين عنها. فتحمى بذلك المواطنين ولا تتستر على الفاعلين.

من ناحية ثانية، فثمة مفارقة فى هذه الجزئية خلاصتها أنه فى حين امتثلت الصحف لقرار حظر نشر أخبار تلك الانتهاكات التى ترصدها المنظمات الحقوقية المصرية، فإن قيادة القوات المسلحة دأبت على إذاعة ردود وتعليقات على تقارير تلك المنظمات، ولأهمية مصدرها فإن الصحف: تحتفى بتلك الردود وتبرزها، فى حين أن القارىء العادى لا يتاح له أن يطلع على مضمون التقارير موضوع الرد. كأنما أريد للقارىء أن يطلع على مرافعة فى قضية لم يسمع بها أصلا!

إننى أرجو ألا يشك أحد فى احترامنا للقوات المسلحة وكل ما هو منسوب إليها، لكننا نرجو منها أيضا أن تبادلنا نفس القدر من الاحترام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق