إلى الذين يهاجموننى بشراسة وأحيانا بوضاعة كلما طرحت سؤالا أظنه مشروعا حول سر عدم مساءلة أو محاسبة الفريق أحمد شفيق عن تراخيه فى التعامل مع ثروات وأرصدة حسنى مبارك ورجاله داخليا وخارجيا فور تنحيه، ليتضح لنا هل كان الفريق شفيق مقصرا أم متواطئا أم بريئا، خاصة أن الكثيرين وعلى رأسهم السادة المحترمون أعضاء لجنة استرداد الثروات المنهوبة تحدثوا فى العديد من الصحف ووسائل الإعلام حول الأثر السلبى لفترة حكومة شفيق القصيرة فى هذا الملف الخطير، وإلى هؤلاء الذين هاجمونى بوضاعة بدءا من يوم الخميس الماضى لأننى طرحت أسئلة مشروعة عن سر عدم مساءلة أو محاسبة الذين تسببوا فى هروب كل من حسين سالم،
الذى يوصف بأنه الصندوق الأسود لحكم حسنى مبارك، ويوسف بطرس غالى، وزير المالية، الذى يعرف الكثير عن ثروات مبارك ورجاله، إليهم جميعا أهدى هذه الرسالة التى تجعلنى أعيد مجددا طرح أسئلتى دون كلل ولا ملل عن الأيام الحرجة التى سبقت وأعقبت تنحى مبارك، ودور الكثيرين فى تهريب ثرواته هو وأسرته ورجاله، على أمل أن يأتى يوم نكتشف فيه الحقيقة، ومن بينها أولا حقيقة المعلومات الواردة فى هذه الرسالة التى وصلتنى متأخرة جدا، والتى أنشرها بعد إخفاء بعض البيانات التى يمكن أن تكشف عن اسم الجهة التى يعمل فيها مرسل الرسالة ويمكن أن تسبب له الأذى، متمنيا أن تحظى الرسالة برأى وتعليق المتخصصين فى هذا المجال الصعب والمعقد، مجال مكافحة غسيل الأموال، لعلهم يؤكدون أو ينفون ما جاء بها من تفاصيل أو رؤوس أقلام، أو ربما أضافوا إليه ما ينفع الناس ويسترد ثرواتهم الطاهرة المنهوبة بشكل قذر.«أكتب إليك هذه الرسالة وأنا فى قمة القلق والغضب معا.. أبدأ بالتحية رغم علمى أن ما ستقرؤه لاحقاً يثير القلق والانزعاج فى الوقت ذاته. أعرّفك بنفسى فأنا مواطنة مصرية تعمل فى مجال مكافحة غسيل الأموال منذ عدة سنوات وعملى يمتد فى أكثر من مائة دولة. أعمل فى شركة دولية هى واحدة من ٤ شركات فقط تعمل فى هذا المجال بشكل رسمى على مستوى دولى، حيث تعمل باستمرار فى إعداد وتحديث القائمة السوداء للبنوك والمستندة بالأساس على القوائم السوداء للأفراد والمنظمات. يعنى إيه؟؟ سأحاول شرح الأمر دون الدخول فى تعقيداته.
الأموال القذرة هى تلك الناتجة عن أعمال محظورة أو مجرّمة دولياً أو حتى محلياً كالأموال الناتجة عن العمل بالدعارة أو تجارة الخمور... إلخ،
فى دولة تعتبر هذه الأنشطة مخالفة للقوانين فيها، لكن من الممكن أن تكون هذه التجارة مشروعة فى دولة أخرى، وإذا ما صدر حكم قضائى نزيه ضد شخص ما أو جهة ما (تنظيم القاعدة مثلاً) بالإدانة فى أحد هذه الأنشطة وصدر قرار بتجميد أرصدته وتم تبليغ الجهات الدولية بهذا القرار فإن تنفيذ هذه القرارات يمر بمرحلتين، الأولى: تنفيذ الأمر بالتجميد، والثانية: المراقبة شبه اليومية للتأكد من عدم تحرك هذه الأرصدة سلباً أو إيجاباً، وفى حالة ملاحظة حركة فى هذه الأرصدة والحسابات المجمدة يتم وضع البنك فى (القائمة السوداء) وهى قائمة يتم تحديثها باستمرار، ويصبح البنك ومسؤولوه عرضة للمساءلة والعقوبات، حاله حال البنوك التى سهلت من البداية عملية غسل الأموال فيها.
ما لا تعرفه ولا يعرفه إلا القلة المحدودة - التى تعد فعلاً على أصابع اليد الواحدة - التى تعمل فى هذا المجال أن بعض من يقوم فى شركتنا بملاحقة الأرصدة وتجميدها تطبيقاً للقرارات في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وفى جميع البنوك السويسرية وبنوك لوكسمبورج، هم شباب مصرى كان يقف مع المتظاهرين فى ميدان التحرير، شباب يمارس هذا العمل منذ بضع سنوات جمد خلالها أرصدة تجار مخدرات، وأباطرة تجارة السلاح، ومجرمى حرب، وتنظيمات إرهابية وغيرهم الكثير، وكان يراه عملاً مرهقاً لما يتطلبه من دقة عالية، حتى إننى ما زلت أذكر صديقتنا التى أصابها انهيار عصبى أمام الشاشة فأخذت تصرخ بهستيريا وبدأت فى تحطيم مكتبها.
كل ذلك تحول إلى حماس شديد يوم ١٤ يناير ٢٠١١ حين طُلب منهم العمل فى يومى إجازتهم (الجمعة والسبت) لتجميد أرصدة بن على وليلى الطرابلسى وأتباعهما، وقد باغتت الجميع فكرة تجميد أرصدة رئيس عربى مخلوع بيد شعبه. وهنا ملاحظة: أعتقد – وهذا تفسير شخصى - أن رحيل بن على كان مباغتاً له هو، أما القيادة السياسية التونسية التى أمسكت بمقاليد الحكم بعد رحيله مباشرة وربما الجيش أيضاً فقد كانا مستعدين لفكرة الرحيل وهو ما يفسر سرعة تجميد أمواله وعائلته بينما لايزال هو حائراً لا يعرف أين سيستقر به المقام.
هذا الحماس تحول إلى صدمة حين استعد الكل (فى يوم الجمعة أيضاً) وشمر عن ساعديه متحمسا لأداء نفس الدور مع مبارك وعائلته وأعضاء حزبه، ثم فوجئنا وحتى اليوم!!
نعم أنا أعنى ما أقول «حتى اليوم» بعدم تجميد أى من أرصدة مبارك والعائلة «فى الخارج» أو المسؤولين الواردة أسماؤهم فى قرارات النائب العام بما فيها أرصدة حبيب العادلى!!
وما جمد من أموال يسرى فقط على الداخل. وهو ما يزرع الشك بأن هذه الجهات الرسمية الدولية لم تتلق قراراً رسمياً من وزارة الخارجية والجهات المعنية، ليس فقط بالبدء فى تنفيذ قرار النائب العام المصرى، بل تحميل البنوك مسؤولية أى تحريك لهذه الأرصدة. أكتب إليك رسالتى من مكتبى بعد أن أنهيت اتصالا عرفت فيه أنه قد بدأت منذ الأمس عمليات تجميد أرصدة القذافى وأعوانه وبعد أن تأكدت أنه حتى لحظة كتابة هذا الخطاب ٩:٤٠ صباح الثلاثاء ٠٨-٠٣-٢٠١١ لاتزال أرصدة مبارك حرة طليقة.ومرة أخرى لا نرى تفسيراً لذلك إلا أنه لم يصدر قرار رسمى يُبلغ للجهات الرسمية الدولية.. وقد بدأت أشعر بأن فى هذا استمراراً لما كتبته فى مقالك اليوم بأنه محاولة لإحراج كل من الحكومة الجديدة والجيش. واعذرنى إن أحجمت عن تقديم أدلة ولو صورة ضوئية تثبت ما جاء فى رسالتى وهذا لسببين: أولهما: أننى أخترق بذلك تعهداً بالحفاظ على سرية المعلومات الخاصة بالعمل يعرّض من يتجاوزه للملاحقة القانونية ليس فى مصر وحدها - كان أهون - وإنما أمام القوانين الأوروبية أيضاً. وثانيهما: أنا لا أعرف إن كان الإيميل المنشور فى «المصرى اليوم» شخصيا أم متاحا أمام العاملين فى الجريدة، فإن كنت أُحسن الظن بك دونما سابق معرفة فربما عُذرى أننى تعرفت على مواقفك التى أتوافق مع الكثير منها، ومع احترامى للآخرين فنحن فى فترة اختلطت فيها الشائعات بالحقائق. فمعذرة مرة أخرى.
أخيراً، أقسم أننى لا أنتمى لأى تيار أو «أجندات» خارجية أو داخلية، ولا أنا أسعى للبلبلة، أو لإثارة مشاعر مستثارة أصلاً، وبصراحة كنت أفكر فى الكتابة إلى من يهمه الأمر لكنى لم أعرف كيف أفعل هذا مع الالتزام بالسرية احتراماً للشركة التى أعمل بها والتى تحظى بسمعة جيدة وثقة عملائها (وهم بالمناسبة ليسوا أفراداً وإنما كيانات اقتصادية كبرى). وصدقنى إننى لا أعرف بماذا قد تفيدك هذه الرسالة إلا أننى أتمنى أن يصل مضمونها لمن بيده تأكيد قرارات النائب العام أمام المؤسسات الدولية، الذى أحسبه وزير الخارجية الجديد. مع وعد منى بإبلاغك فورالبدء فى تجميد الأرصدة «الخارجية» للمسؤولين المصريين الذين تداول الإعلام أسماءهم. ملاحظة: قررت إحدى زميلاتى هى الأخرى الخروج عن صمتها بصورة أكثر أماناً حسب اعتقادها حيث أبلغت شقيقها الذى يعمل فى جهة سيادية على أمل أن يتصرف دون تعريضها للضرر».
أتمنى أن تأخذ هذه الرسالة حظها من تقييم وفحص المختصين والخبراء، وأتمنى على من أرسلها إلىّ سواء كان فعلا مواطنة كما جاء فى الرسالة، أو مواطنا يرغب فى إخفاء بياناته، أن يستحضر وجوه الشهداء والجرحى ويتذكر تضحياتهم التى قدموها من أجل هذه البلاد لعل ذلك يشجعه على أن يتقدم فورا بكل ما يستطيعه من أدلة إلى الشعب المصرى مباشرة، وأنا واثق أن هناك شرفاء كثيرين سيتعاونون معه بكل ما استطاعوا. والله من وراء القصد أو هكذا أزعم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق