http://biladtiba.blogspot.com/

الثلاثاء، 26 أبريل 2011

مصطفي الفقي.. رجل كل العصور!

" أيام فاصلة في تاريخ مصر المعاصر.. يراها أبناء الشعب زاخمة بالسعادة والحرية والآمال التي غابت عنهم طويلا بينما يشعر بها من كانوا بالأمس القريب أصحاب جاه ونفوذ غير ذلك حيث يصفونها بأنها ثقيلة ممتلئة بالمخاطر الجمة التي تهدد بقاءهم بعدما خسفت نجومهم التي تلألأت في سنوات مضت ارتكبوا فيها جرائم بلا حساب أو مساءلة من أحد.. ولما لا وهم كانوا علي يقين بأنهم فوق القانون ولن يأتي عليهم يوم يتذوقون فيه مرارة السجون والعزلة عن الأهل والأصدقاء.. وهم أيضا من اعتادوا أن يسيروا في مواكب تشريفية مكتظة بالحراسة الأمنية والسيارات المصفحة التي يظهر منها الحراس مدججين بالأسلحة لحمايتهم من أي أذي يحيط بهم.. ظنوا أن مشوارهم مع الجاه والسلطة باق.. ولن يفني وأن حياة العز والكبرياء ستدوم بدوام مبارك الأب أو الابن حاكما علي البلاد والعادلي برجاله مقيدا للحريات وقاطعا للألسنة التي تحاول أن تنادي بالحرية.. تجاهلوا تلك المقولة الشهيرة التي تؤكد علي أن دوام الحال من المحال.. ولم يدر بخلدهم أن يوم قيامتهم الصغري قد اقترب بسقوطهم واحدا بعد الآخر بعدما تبدلت الأحوال وجاءت الرياح بما لا تشتهيه السفن وربانها ووجدوا أنفسهم مطلوبين للمثول أمام جهات التحقيق.. ولدي وصولهم إلي أماكن التحقيق لم يصدقوا أنفسهم وكأنهم في كابوس مخيف فبعدما كان الواحد منهم يلوح بيديه فيجد المئات من حوله يطلبون إرضاءه يجد نفسه وحيدا ينتظر خارج غرفة التحقيق حتي يسمح له المحقق بالدخول منفردا.. ولا يستطيع الجلوس إلا بعدما يؤذن له.. وكانت هذه الأحوال كفيلة بأن يصاب أقطاب النظام السابق بالانهيار وتمنوا أن تنشق الأرض من تحت أقدامهم وتبتلعهم خوفا من شبح عشماوي الذي بات يؤرقهم لحظة بعد الأخري.. الساقطون في مزرعة طرة لم يتوقعوا بعد هذا العمر أن يعيشوا في زنزانة لا تزيد مساحتها علي ثلاثة أمتار.. وكانت الأقدار قد سطرت نهاية الفاسدين منذ سقوط زكريا عزمي ومن بعده أحمد نظيف ثم لحق بهما صفوت الشريف ليتبعه فتحي سرور إلي أن حضر علاء وجمال مبارك في حين أن البعض ما زال ينتظر لحظة تشريف الرئيس السابق لتنفيذ قرار النائب العام بالحبس.. «الموجز» من جانبها سجلت خلال السطور التالية لحظات سقوط حاشية مبارك ونقلت تفاصيل المؤامرة التي يدبرها الفاسدون لقلب نظام الحكم وإنقاذ رقابهم من حبل المشنقة»
اليوم الأول:
عزمي سجينا

كانت البداية في السابع من شهر أبريل الجاري بترحيل عزمي إلي سجن مزرعة طرة والذي كان يعتقد أن الأمر مجرد إجراءات بسيطة لتهدئة الرأي العام واحتواء حالة الغضب التي اجتاحت أبناء الشعب المصري قبل تفاقمها.. وترجع بداية سقوط عزمي إلي قيامه بإطلاق وابل من التصريحات الاستفزازية التي دفعت الشعب المصري للمطالبة بمحاكمته عندما فتح ألسنة النيران علي نفسه حيث أعلن في مداخلة مع إحدي القنوات التليفزيونية أنه ما زال يمارس مهامه الوظيفية كرئيس لديوان رئيس الجمهورية مما تسبب في إشعال ثورة الغضب لدي المصريين.. وعاودوا النداء بمحاكمته وتجريده من منصابه كغيره من ممثلي النظام البائد وتأكد لعزمي أنه بمحاولته كان قد أخطأ التقدير ولم يحسن التصرف.. وكان علي يقين أنه لن يسقط أبدا طالما أن مبارك في مأمن بعيدا عن المحاكمات أو المصادمات القانونية إلا أن أحلامه لم تدم طويلا حيث كانت بداية السقوط من عنده فكان هو بمثابة البداية ومن بعده جاء رموز النظام السابق من رئيس وزراء ورئيسي الجهات التشريعية بل الرئيس السابق نفسه ومعه نجلاه علاء وجمال.. حتي لحظة سماعه قرار حبسه لم يصدق نفسه وكاد أن يسقط علي الأرض مغشيا عليه لا يصدق ما أصبح عليه.. مرددا كيف ذلك؟ مين ده اللي يتحبس؟ دا أنا زكريا عزمي رئيس الديوان يعني الراجل الأول والأقوي في القصر.. وكاتم أسرار الرئيس السابق.. وكل المصريين لدي ملفات سوداء عنهم..! إلا أن كلماته كانت تخرج بدافع الحسرة والندم علي ما سقط فيه علي يد نظام لم يعمل من أجل مصلحة الوطن والارتقاء به وبمستقبل أبنائه وإنما استهدف تحقيق الثروات الفاحشة بشتي الطرق.. وراح يدير ذاكرته إلي ما كان عليه قبل شهور فهو الجلاد الذي اهتمت وسائل الإعلام بأخباره ومناقشاته تحت القبة.. إلا أنه أصبح اليوم متهما بوابل من الاتهامات التي لن يغفرها له القانون وسوف يعاقبه عليها عقابا عسيرا.. كان عزمي قد وصل إلي مقر التحقيق في تمام التاسعة والنصف بصحبة مجموعة من أفراد عائلته وحراسه وعلي غير ما اعتاد وآخرون أن يكون الجميع في انتظاره خارج المبني الذي يشرفه بحضوره دخل هو علي أقدام هزيلة لا تقوي علي الوقوف والثبات متوجها إلي الطابق السابع في الأسانسير وتم منع حراسه من الصعود معه وأمام مكتب المحقق جلس عزمي ينتظر السماح له بالدخول وهو يعتصر ألما مرددا بصوت خافت ماذا جري؟ زكريا عزمي ينتظر في الخارج حتي يسمح له بالدخول ..علي العموم كل شيء سيعود إلي ما كان عليه من قبل وسوف أحاسب كل من أخطأ في حقي وأرد كرامتي أمام الجميع.. وفي حوالي العاشرة والربع صباحا رن الجرس الذي ترجمه علي الفور فرد الأمن الموجود أمام باب المحقق بإدخال عزمي إلي الغرفة.. وفي هذه اللحظة ظهر عزمي بعينيه تائها وكأن أذنه لا تسمع عندما ناداه الشرطي قائلا زكريا عزمي بدون ألقاب.. تخيل أنه نائم وما يجري من حوله كابوس مخيف.. وبدخوله الغرفة حاول عزمي منذ وصوله إلي مقر جهاز الكسب غير المشروع أن يتماسك أمام المحقق إلا أنه لم يستطع خاصة بعدما واجهه المستشار منتصر صالح رئيس هيئة الفحص والتحقيق بأوراق تكشف عن ممتلكاته التي لم يقر عنها في إقرار الذمة المالية الذي تقدم به للجهات المعنية.. والتزم عزمي الصمت في البداية حيث لم يردد سوي كلمتين فقط هما «محصلش حضرتك.. !»
وأمام أسئلة المحقق لعزمي وجد نفسه تائها وظل يبحث عن مخرج إلي أن طلب دخول الحمام وتناول كوبا من الشاي.. وأن يتم السماح له بالحصول علي قسط من الراحة.
وكانت التحقيقات مع عزمي استمرت أكثر من 8 ساعات واجهه خلالها المحقق بتقارير مباحث الأموال العامة وتقارير الرقابة الإدارية الخاصة بثروته التي تضخمت نتيجة استغلال نفوذه السياسي طوال الفترة التي قضاها رئيساً لديوان رئاسة الجمهورية.
وعلي أقل التقديرات ظن عزمي أنه سيتم إخلاء سبيله واستدعائه مرة ثانية في وقت لاحق إلا أنه أيضا كان مخطئا في توقعاته التي حملت بين طياتها ما لا تحمد عقباه حيث فوجئ بقرار المستشار عاصم الجوهري بحبسه لمدة 15 يوماً علي ذمة التحقيقات.. وخرج من الغرفة وسط دهشة سبقتها دموعه التي حاول أن يخفيها عن أفراد أسرته لكنه لم يستطع بعدما وضع أحد الضباط يده في الكلابشات الحديدية.
وأصيب عزمي بحالة من الإنكسار عندما طلب أن يستقل سيارته إلي طرة وسط حراسة أمنية إلا أن طلبه قابله أفراد الشرطة بالرفض.. مؤكدا أحدهم أنها تعليمات واحنا بنفذها.. وأثناء اقتياده إلي البوابة الرئيسية تمهيدا لاستقلاله سيارة الترحيلات أسرع أحد رجاله بمحاولة إخفاء وجهه عن عدسات المصورين والتليفزيون .

اليوم الثاني:
نظيف متهما

أما الدكتورأحمد نظيف رئيس الوزارة التي تسببت في حالة الكره البالغة التي انتابت أبناء الشعب المصري لمبارك وحاشيته من المسئولين الذي هبط علي مسامعه خبر التحقيق معه في قضية اللوحات المعدنية المتهم فيها بتمرير الصفقة وإنهائها بين الوزير الهارب يوسف بطرس غالي والوزير السابق حبيب العادلي المحبوس احتياطيا علي ذمة العديد من القضايا في ليمان طرة.. وراح يتساءل نظيف أمام زوجته هل حقا سيتم التحقيق معي؟ وهل ترين أنني متهم بالفعل وسوف يتم الزج بي داخل السجن ؟ وماذا سيسألني المحقق؟ وكيف أجيب عليه؟ أتعلمين أنها ستكون لي المرة الأولي التي أقف فيها أمام النيابة ؟ وأسئلة أخري كثيرة جلس يتبادل إجاباتها مع زوجته في حضور محاميه الخاص الذي راح يهدئ من غضبه.. وراح يلقنه بالإجابات التي ستكون سبيله الوحيد إلي البراءة ومنها انه لم يتدخل في الصفقة من بعيد أو قريب وإنما المسئول عنها الوزيران.. وقضي نظيف ليلته وهو قلق لم يقو علي النوم حيث بدا متوترا للغاية.. وأخذ يلعن ذلك اليوم الذي تم اختياره رئيسا للحكومة التي لم يستطع أن يتقدم بها شيئا لكنه تراجع بوزرائها الذين استقدمهم بطريقة المجاملات الشخصية.. وأدار بذاكرته تلك السنوات الست العجاف التي ظل فيها رئيسا للوزراء وما أحدثته وزارته من تدهور للأحوال الاقتصادية وأنه كان مغيبا عن الوعي حيث كان يتلقي البيانات من أعضاء الوزارة بأن كله تمام.. والشعب مبسوط في حين أن الحقيقة تخالف ذلك تماما.. وانتقل بعقله إلي مرحلة أخري لم تخل من الكوابيس وأنه تم ترحيله بالفعل إلي طرة وليس هذا فقط وإنما تم صدور حكما قضائي بإعدامه وأثناء استقدامه لتنفيذ الحكم استيقظ من نومه وهو يصرخ مظلوم.. وتخيل نظيف أن مصيره لن يكون كعزمي الذي انضم إلي الفاسدين في مزرعة طره قبله بساعات حيث تتلخص تهمته في تسهيل الاستيلاء علي المال العام.. لكنه كان سرعان ما يتراجع عن أوهامه عندما يتذكر ما حدث مع عزمي وهو كاتم أسرار مصر والرجل الذي كان قويا بالأمس القريب.. وفي صباح الأحد الموافق العاشر من الشهر الجاري توجه نظيف إلي نيابة الأموال العامة وبمجرد مثوله أمام المحقق واجهه بإهدار نحو 95 مليون جنيه من أموال الدولة.. وبمواجهته بالاتهامات التي أدلي بها حبيب العادلي وزير الداخلية السابق له في التحقيقات حيث ألقي العادلي بالمسئولية كاملة علي نظيف مؤكدا اشتراكه مع غالي الهارب وأنه طلب من مجلس الوزراء الموافقة علي إجراء مزايدة علنية لتوريد اللوحات المعدنية وأصدر العادلي تعليماته لرجاله في الوزراة بإعداد الأوراق والمستندات الخاصة بالإجراءات حيث ألزم أحدهم بالذهاب إلي مجلس الوزراء للحصول علي الموافقة ونشر المزايدة في وسائل الإعلام إلا أنه فوجئ بأن مجلس الوزراء اختار شركة ألمانية بعينها وتم إسناد المناقصة لها وأضاف العادلي أنه لم يكن مدركا أن الشركة مملوكة لغالي.. وبعد انتهاء التحقيقات مع نظيف كان قرار النائب العام بحبسه 15 يوما علي ذمة التحقيق صدمة كبري لم يتوقعها بعد حيث فوجئ بأحد رجال الشرطة يقترب منه ويضع يده في القيود الحديدية ويقتاده إلي سيارة الترحيلات.. وكان المشهد غريبا علي نظيف الذي لم يتوقع أن تكون نهايته بالحبس.. وراح يتمتم بكلمات غير مفهومة وانهمر في نوبة من البكاء الشديد داخل السيارة التي لم يجلس فيها بشكل مريح حيث إن طوله تسبب له في العديد من المشكلات منذ أن استقل سيارة الترحيلات وحتي نقله إلي السجن حيث لم تجد إدارة السجن ملابس أو سريرا يتناسب مع طول نظيف.. وتم صرف ملابس بشكل مؤقت حتي تم تدبير الحلول اللازمة للمشكلة في صباح اليوم التالي مباشرة..
إشعال النيران
وأعقب حبس نظيف بساعات قليلة خروج الرئيس السابق مبارك للدفاع عن نفسه وأسرته في مكالمة اختص بها قناة العربية فور علمه بقرار النائب العام باستدعائه للتحقيق معه ونجليه في جرائم قتل المتظاهرين والاستيلاء علي المال العام واستغلال النفوذ.. ليؤكد أنه لا يمتلك أرصدة أو عقارات خارج مصر وأن الادعاءات التي أطلقها البعض بأنه استغل نفوذه لتضخيم ثرواته باطلة.. وتوعد من يتهمه بذلك أو يشكك في ذمته.. وما كان من كلمة مبارك إلا أن أشعلت النيران من جديد لدي أبناء الشعب المصري وراحوا يرددون مطالباتهم بسرعة تقديمه للمحاكمة الجنائية.. بينما اعتقد مبارك أن خروجه في ذلك الوقت سيكون مفيدا له مثلما أوصي عليه نجله جمال الذي أقنعه بتسجيل الكلمة وإرسالها إلي قناة العربية في وقت اعتبره مناسبا لكن النصيحة أودت به في متاهات أخري جديدة.
اليوم الثالث:
الشريف بلا حصانة

وعلي غير ما توقع صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري السابق وأسرته وصله استدعاء من المستشار عاصم الجوهري رئيس جهاز الكسب غير المشروع للحضور إلي مقر الجهاز للتحقيق معه وسؤاله من أين لك هذا؟.. ولأن الشريف يدرك أنه في حالة تخلفه عن الحضور أمام الجهاز تنفيذا لأمر الاستدعاء سوف يتبعه قرار من النائب العام بضبطه وإحضاره بالقوة أعد أوراقه داخل حقيبته التي قدم منها صورة في إقرار الذمة المالية آملا ألا يكون مصيره كصديق عمره عزمي الذي لازمه أكثر من 25 عاما في العمل السياسي ومصاحبة مبارك.. وكان الشريف قد أمر أبناءه بإحضار موكب له كي يتوجه إلي الجهاز في يوم الاثنين الحادي عشر من نفس الشهر للمثول فيه أمام رئيس الجهاز.. وكان هذا آخر أمر تفوه به الشريف ليدخل في مشوار جديد ليس عليه سوي أن يقول حاضر ونعم.. وأن يكون ملتزما ليس لأنه بطبعه مطيع لكن لأنه سيجد من يطلب منه الحديث أو أن يصمت.. وارتدي ملابسه ثم هبط درجات سلم قصره ونظر إليه نظرة الوداع علي الرغم من أنه كان متأكدا من عودته في نفس اليوم وألا يتم ترحيله إلي سجن المزرعة وأجري اتصالين هاتفيين بوزير التعليم العالي السابق هاني هلال وفاروق حسني وزير الثقافة الأسبق للحضور معه والإدلاء بشهاداتهما معه في التهم التي سيتم توجيهها إليه.. وانطلقت سيارته ومن خلفها سيارات أبناؤه والوزيران السابقان وفي تمام العاشرة إلا عشر دقائق وقف الموكب أمام باب وزارة العدل وبصحبته نجله اشرف وحفيديه أحمد وعمر إبراهيم العقباوي ومحاميه جميل سعيد مع محام آخر.. وبعد حديث قصير مع أحد أفراد الأمن القائمين بحراسة الوزارة قام بفتح الباب أمام السيارات التي هبط من إحداها الشريف وسط وجود 17 فردا من القائمين بحراسته.
وبسرعة اتجه نحو الأسانسير وسط أفراد أسرته خوفا من أن يلتقط أحد المصورين له صورا حيث بدا منهكا عندما شاهد جموعا من أبناء الشعب ينتظرون قدومه ورددوا له الشتائم.. وفي الطابق السابع كان الأسانسير قد توقف استعدادا لدخوله إلي غرفة التحقيقات التي ظل بها أكثر من 10 ساعات.. وبعد حوالي ربع ساعة كاملة سمح له المستشار أحمد طلبة بالدخول بصحبة محاميه.. وكان الشريف قد أحضر حقيبة سوداء كبيرة يحمل بها مستندات حول مصادر دخله.. ولم يكن حال الشريف أفضل حالا من أي شخص متهم يقف أمام المحققين حيث ظهرت عليه علامات الريبة والخوف عندما واجهه المحقق بمعلومات عن ثروته في حين أنه لم يقر بها.. وفي هذه اللحظة تلعثم لسانه وتسمرت قدماه ولم ينطق بشيء ونظر إلي محاميه بأن يطلب أن يحصل علي قسط من الراحة.. وبالفعل قام المحقق بتلبية المطلب حيث خرج للتنقل في الطرقة واحتسي كوبا من الشاي.. ثم عاود مرة اخري للوقوف أمام المحقق الذي واجهه بأوراق أخري أخفاها الشريف ولم يقر بها في إقرار ذمته المالية فكانت صدمة أخري.. ومثلما فعل من قبل أشار لمحاميه أن يطلب راحة قصيرة لتناول الشاي.. وعندما خرج هذه المرة تيقن بأن عليه أن يستعد لمجاورة عز ونظيف والعادلي وغيرهم ممن سبقوه إلي سجن طرة خاصة بعدما عرض علي المحقق أن يستمع لشهادة الوزيرين اللذين أحضرهما معه لكن المحقق رفض مؤكدا له أنه لا توجد أي دواع للاستماع إلي الشهادة وأن الجهاز لم يطلب أحدا للشهادة وعندما يلزم الأمر ذلك فسوف يرسل الجهاز بمعرفته دون أن يكون هناك وسيط.. في هذه اللحظات العصيبة في حياة الشريف عاد بذاكرته إلي سابق عصره الذي كان يأمر فيه فيطاع ويجد المئات ممن يقدمون له فروض الولاء والطاعة طامعين في نيل رضاه كي ينعم عليهم بمنصب كبير في الدولة.. لكن اليوم أصبح متهما أمام النيابة وكل شيء بحساب يستأذن عندما يريد الكلام وإذا تم فض مطلبه يلتزم بالسكوت.. وراح يسأل نفسه كيف ذلك وأنا من جمع أكثر من وظيفة قيادية تحكمت في مصر وأبنائها عقودا طويلة.. منعتهم من حقوقهم وعندما اعتليت كرسي الشوري كنت أتحكم في النواب أستمع لهذا وأطنش ذاك وكله بمزاجي.. حتي أنه عندما أراد الذهاب إلي الحمام طلب من المحقق الذي سمح له وخرج من الغرفة في يد أحد المجندين الذي اصطحبه إلي الحمام المواجه لغرفة المحقق لكنه رفض دخوله فتوجه به الشرطي إلي الحمام الموجود في نهاية الطرقة ثم عاد به لاستكمال التحقيقات.. وعاد المحقق يسأله عن تعليقه علي نتائج تحريات هيئة الرقابة الادارية ومباحث الأموال العامة التي أكدت امتلاكه وزوجته منال عطية وأولاده إيمان وأشرف وإيهاب وزوجاتهم ما يزيد علي 20 قصرا وفيلا وشقة في القاهرة والتجمع الخامس ومارينا وأبو سلطان.. كما ان كلا من حفيديه عمر ومحمد يمتلكان 8 فيلات كما سأله عن الهدايا الثمينة التي تتجاوز قيمة الهدية الواحدة منها نصف مليون جنيه والتي حصل عليها من مؤسسات صحفية كبري مثل الأهرام وأخبار اليوم وجهات إعلانية واعلامية وأيضا من مسئولين ورؤساء وملوك دول عربية وأجنبية.. وواجهه أيضا بقرار الاتحاد الأوربي الخاص بتجميد أرصدته في أوروبا والمستندات التي ثبت ان نجله اشرف يمتلك قصرا في لندن لا يقل سعره عن 100 مليون جنيه.. ومن جانبه عزف الشريف عن الرد حيث تلعثم لسانه عند الإجابة علي الكثير من الأسئلة وتمسك في إجاباته بأن مصادر دخله هي التي ذكرها في إقرار ذمته المالية.. ونفي أن يكون قد تلقي هدايا علي سبيل الرشوة وأن الهدايا التي تلقاها كانت رمزية وليست ثمينة.. وأما محاميه فأسرع بتقديم عدد من المستندات حول ما يمتلكه من ثروات ومصادر دخل مشيرا إلي أن موكله لم يهرب ومحل اقامته معروف وطالب بإخلاء سبيله.. وكان قرار الحبس قد سبقه ثبوت تضخم ثروات الشريف أثناء استجوابه حيث تم توجيه تهمة استغلال واستثمار الوظيفة العامة لصالحه وصالح أفراد أسرته وإخفائه تلك الثروات حيث نسبها ضمن عناصر الذمة المالية لزوجته وأبنائه وأحفاده.. كما واجهه المستشار أحمد طلبة رئيس هيئة الفحص والتحقيق بالاتهامات والأدلة والتحريات حول تضخم ثروته بشكل غير مشروع.
وفي هذه اللحظات يبدو أن محاميه جميل سعيد قد أيقن أنه سيتم ترحيل الشريف إلي طرة فخرج من غرفة التحقيقات وأجري اتصالا هاتفيا قال البعض إنه ردد يا فتحي بيه الأمور تزداد تعقيدا.. والموضوع لا يطمئن بالمرة وأظن أنه سيلحق بعزمي ونظيف.. ثم طرق المحامي باب الغرفة واستأذن للدخول بينما كانت علامات الريبة قد انتابت أبناء الشريف الذين انتظروه خارج الغرفة.. وقبل التاسعة بحوالي 10 دقائق كان اللواء ماهر طه مدير إدارة الترحيلات قد تواجد بالطابق السابع ووقف للحظات أمام غرفة التحقيقات الموجود بداخلها الشريف عدة دقائق أمام باب الأسانسير منتظرا القرار النهائي بترحيل الشريف.. وبمرور نحو ساعة كاملة كان الشريف قد أصيب بشبه حالة انهيار بعد تورطه في الاتهامات التي لم يستطع الهروب منها وتم نقله لغرفة مجاورة لمكتب التحقيق بينما توجه المستشار طلبة إلي مكتب المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل رئيس جهاز الكسب غير المشروع وظل لمدة 15 دقيقة قضاها الشريف في ألم وحسرة رافعا يديه إلي السماء طالبا العفو والسماح بعدما تيقن أنه كان خاطئا في كل شيء.
وبعد انتهاء التحقيقات معه كان قد تم تسريب قرار حبسه إلي العاملين وأفراد الأمن الذين أخبروا به المواطنين الذين تجمعوا أمام مبني الجهاز لتوديع الشريف إلي مثواه الأخير في طرة بزفة الشتائم التي رددوا خلالها انزل يا حرامي.. نفسك تروّح هتنهب إيه تاني.. يا حرامي يا شريف علي السجن مع عزمي ونظيف.. خلي البلد تنضف وعقبالك يا مبارك لما تشرف مع ولادك في المزرعة.
وفي الساعة الحادية عشرة إلا خمس دقائق كان القرار قد خرج بحبس الشريف حيث تم وضع القيود الحديدية في يديه وخرج وسط حراسة مشددة بينما انتشرت قوات الأمن المركزي حول مقر الجهاز خوفا من فتك الجماهير به وأثناء نزوله أعاد بذاكرته ما كان عليه حيث كان يهتف الجميع باسمه ويطلب رضاه إلا أنه اليوم كان يخفي وجهه عن كاميرات المصورين بينما أسرع حرسه الخاص بخلع جاكت بدلته ووضعه فوق رأس الشريف محاولا إخفاءه واستقل سيارة الترحيلات التي نقلته إلي مقره الحالي في طرة.. كما شاركت سيارتان أخريان ودراجة بخارية في موكبه.. وعقب وصوله إلي طرة استقبله مدير منطقة سجون طرة ومأمور ورئيس مباحث سجن المزرعة حيث تسلمت إدارة السجن قرار النائب العام بالحبس وتم انهاء اجراءات دخوله السجن والتحفظ علي تليفونه المحمول وأوراقه وحافظة نقوده وايداعها الامانات وتسليمه المهمات التي يتسلمها المسجونون احتياطيا وتم إيداعه في زنزانة انفرادية حيث ارتدي البدلة البيضاء وكان في حالة شرود وذهول وارهاق شديد مما حدث ولم يتحدث مع احد حيث كانت زنازين الوزراء وكبار المسئولين مغلقة منذ الخامسة مساء طبقا لتعليمات مصلحة السجون.. والمدهش في أمره أنه كان ملتزما حيث أحضر له أحد أبنائه الملابس المعمول بها عند الحبس الاحتياطي وكذا شنطة علاجه بينما قام بتسليم متعلقاته الشخصية وهاتفه المحمول وحافظة نقودة إلي إدارة السجن.

اليوم الرابع:
سرور في التخشيبة

وكان قرار استدعاء الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق للمثول أمام الجهات التحقيقية في جهاز الكسب غير المشروع لاتهامه بتحقيق ثرواته بطرق غير مشروعة بمثابة الكارثة التي كاد أن يفقد معها توازنه إلا أنه علي الفور تذكر أنه أستاذ ضليع في القانون وأن من سيجري معه التحقيقات قد يكون تلميذا من تلاميذه أو زميلا وسوف يقدر رحلته في خدمة الوطن منذ أن كان وكيلا للنيابة ثم انتقاله إلي التدريس في الجامعة ليصبح أكبر أساتذة القانون في مصر ومن بعدها كيف تطور بالتعليم عندما تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم فضلا عن جهوده وخدماته داخل دائرته الانتخابية بالسيدة زينب.. وأخذ سرور علي درب سابقيه يعد نفسه للإجابة عن سؤال من أين لك هذا؟.. وجلس مع نجله المحامي وأدار حوارا طويلا لمناقشة ظروف التحقيق معه والأوراق التي سيتم تقديمها.. وظل نجله يطمئنه مطالبا إياه بألا يتسبب هذا الموضوع في إعيائه وأن يعتبر الأمر طبيعيا وأن الشعب سيتحدث عنه بأنه الوحيد الذي ذهب إلي جهاز الكسب غير المشروع وعاد منه إلي المنزل ولم يتم ترحيله إلي سجن طرة.. وفي هذا السياق كان الحوار بينهما الذي انتهي بعد مرور أكثر من ساعتين.. وفي صباح يوم الأربعاء الموافق الثالث عشر من أبريل استيقظ سرور مبكرا واستعد للذهاب إلي لاظوغلي حيث يتواجد جهاز الكسب غير المشروع.. وانطلقت سيارته وخلفها سيارة نجله وبعض مؤيديه في الدائرة.. وما هي إلا لحظات قليلة ووصلت السيارة إلي مقر الجهاز في تمام العاشرة إلا خمس دقائق صباحا.. وبعدما تأكد أفراد الأمن من أن السيارة تقل سرور تم السماح لها بالدخول بينما تم منع باقي السيارات من تتبعه.. وبصحبة أبنائه الذين صعد سلم مبني وزارة العدل ومنه إلي الأسانسير الذي استقر بهم في الطابق الثاني ليخرج منه سرور وأبناؤه بدون حراسة مثلما كان من قبل حيث أصبح وحيدا دون مؤيدين والحراسة التي تحيطه ليست لحراسته وإنما لأنه أصبح متهما أمام الجهاز.. وفي تمام العاشرة والربع صباحا سمح المحقق لسرور بالدخول إلي غرفة التحقيق حيث كان في انتظاره المستندات الدالة علي اتهامه.. وبدأت معه التحقيقات التي بدأها المستشار طلبة من أين لك هذا يا دكتور سرور؟ فأجابه بثبات ممتلكاتي جاءت من الوظائف التي شغلتها كوزير للتربية والتعليم منذ عام 1986 وحتي 1990 ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية من سنة 1988 حتي 1990 ورئيس المجلس الأعلي للجامعات من سنة 1986 حتي 1990 ونائب لرئيس جامعة القاهرة سنة 1985 حتي 1986 وعميد كلية الحقوق جامعة القاهرة من 1983 حتي 1985 ورئيس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة من 1978 حتي 1983 وأستاذ للقانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة من سنة 1959 وحتي الآن.. وأضاف أنه تدرج في المناصب من معاون نيابة عام 1953 إلي أن أصبح وكيلا للنيابة العامة من الفئة الممتازة عام 1958 .
كما أنه تولي عدة مناصب منها رئيس مجلس الشعب من سنة 1990 حتي 2011 ومحام له تاريخ حافل.. فعاود المحقق سؤاله لكنك متهم بالتربح من وظيفتك واستغلالك النفوذ في تحقيق ثروات طائلة.. فرد سرور نافيا تلك الاتهامات إلا أن المحقق فاجأه بعدة مستندات لثروته بينما لم يقر بها في إقرار ذمته المالية.. هنا دارت الدنيا بسرور وكاد أن يفقد توازنه بعدما لاحظ أن المحقق في يديه دليل اتهامه الذي لن يستطيع تبريره فطلب منه أن يحصل علي قسط من الراحة حتي يستعيد قواه البدنية فرفض المحقق.. وهنا راح يتذكر سرور ما كان بين يديه في الأمس القريب من سلطة ونفوذ كانت تجعله رمزا وتاريخا أمام العالم العربي كله.. وراح يتحسر علي حاله متذكرا أنه كان يدخل المجلس فيجد الجميع من موظفين وأعضاء ووزراء ينتظرونه في شوق.. وعندما يعتلي قمة الجلسة يأذن لفلان أن يتحدث ويحجب الكلمة عن آخرين.. وليس هذا فقط وإنما يتخذ القرار الذي يراه صحيحا دون الالتزام برغبات الأعضاء.. إلا أنه اليوم عندما يطلب فيقال له لا ليس من حقك.. وبعدما كان يأتي بالوزراء ورئيسهم لاستجوابهم جاء عليه اليوم لأن يكون هو المتهم وآخر يوجه له الاتهامات.. وأشياء أخري كثيرة عندما تذكرها سرور انهمر في البكاء حيث خرجت منه الكلمات بصوت تخنقه الدموع خاصة بعدما طلب راحة لتناول كوب من الشاي فرفضت هيئة الفحص والتحقيق.
وفي الثانية عشرة ظهرا خرج المحقق لأداء الصلاة بينما تمسك سرور بوجوده في الغرفة وأدي صلاة الظهر بها جالسا.. ورفض سرور مغادرة غرفة التحقيقات متمنيا أن يتم إخلاء سبيله إلا أنه في تمام الخامسة مساء كان المحقق قد أعلن عن انتهاء التحقيقات وعندما سأله سرور عن إمكانية عودته إلي المنزل فأجابه لا يا دكتور سيتم ترحيلك إلي طرة حتي استكمال التحقيقات معك.. وبعدين إنت أستاذنا وفاهم قانون كويس.. ومن جانبه لم يتحمل سرور الصدمة ولم يستوعب ذهنه قرار ترحيله إلي السجن حيث أعاد علي المحقق بتقول إيه سعادتك.. يعني أنا رايح طرة.. وظهر سرور أثناء خروجه من غرفة التحقيقات شارد الذهن من هول صدمته التي أصابته فور سماعه قرار الحبس خاصة عندما بدأ أفراد من الشرطة في وضع القيود الحديدية حول يده.
وكانت خطواته بطيئة للغاية وبمجرد أن هبط به المصعد إلي الدور الأرضي تبعه عدد من رجاله الذين أسرعوا بخلع «جواكت» البدل التي كانوا يرتدونها وأحاطوا به لقطع الطريق أمام وسائل الإعلام من تصويره مثلما حدث مع رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي ورئيس مجلس الشوري المنحل صفوت الشريف.
وفي هدوء تام عاونه رجاله في استقلال سيارة الترحيلات رقم (شرطة ب 17 /2932) التي قامت بنقله إلي زنزانته في مزرعة طرة.

اليوم الخامس:
نهاية مبارك

كل السابقين كان لهم أن يصدقوا يوما أن يقفوا خلف القضبان الحديدية بأي تهمة وأنه ينتظرهم مصير مجهول إلا أن ماحدث مع الرئيس مبارك فور سماعه خبر بداية التحقيقات معه راح يدير شريط الذكريات الخاص به حيث تذكر أنه الضابط الملتزم الذي تخرج في الكلية الحربية ومنها إلي الكلية الجوية منذ أن تم إنشاؤها.. وفور تخرجه منها ساهم في تدريب الطيارين حتي جمعته الصدفة بالرئيس الراحل عبدالناصر الذي كافأه بترقيته إلي رتبة استثنائية وبعدها تم تعيينه مديرا للكلية الجوية ثم قائدا للقوات الجوية.. وتوقف مبارك عند هذه السنوات التي خرج فيها من منزله تاركا زوجته وأطفاله الصغار ويحمل علي يديه حياته التي وهبها وآخرون لفداء الوطن.. ثم انتقل بذاكرته إلي ملحمة النصر والكرامة التي شارك فيها مع الزعيم الراحل السادات الذي قربه إليه شيئا فشيئا حتي اختاره نائبا لرئيس الجمهورية.. كما توقف مبارك عند الحادث المؤلم الذي استشهد فيه السادات قائلا يا ريتني كنت رحت معاه.. يا ريتني ما بقيت رئيسا.. يا ريتني ما أعطيت جمال وشلته كل هذه الصلاحيات.. ماذا جري لي بعد هذه السنوات؟.. هل أستحق ما يعاقبني به الشعب الآن؟.. هل حقا أخطأت في الفترة الأخيرة؟.. ماذا كان سيفعل السادات أو عبدالناصر إذا كان في موقفي هذا؟.. عبدالناصر كان سيتواجد في الميدان بين الثوار ويعلن أمامهم أنه تنحي عن الحكم لكنهم سيتمسكون به لأنهم يحبونه.. وما بال السادات الذي كان سيذهب إلي الميدان ويأمر بالقبض علي أعضاء الوزارة ويعلق لهم المشنقة ليقتلهم جميعا ويكسب بجرأته هذه رضاء الشعب.. وأمام هذين الموقفين لم يكن لي خيارا إلا أن أقف بعيدا أحتمي في الجيش إلا أنني لم أتخيل أن يحدث ذلك.. وأن يتم تقديمي للمحاكمة.. فلم أتخيل بعد أكثر من 30 عاما أخدم فيها البلاد سلما وحربا أن تكون هذه نهايتي.. وبين هذه الكلمات التي راح يرددها مبارك أثناء وصول قرار النائب العام بالتحقيق معه وعلاء وجمال فقد مبارك توازنه وارتفع الضغط لديه وسقط علي الأرض مغشيا عليه وسط ذهول أفراد أسرته.. وعلي الفور تم استدعاء فريق الأطباء المعالج له والذي أوصي بنقله إلي المستشفي.. وتم تجهيز السيارات التي انتقل فيها مبارك وأسرته إلي مستشفي شرم الشيخ وتم إدخال مبارك غرفة العناية المركزة في جناح الرئاسة يوم الثلاثاء الثاني عشر من الشهر الجاري.. وقال شهود إن مبارك كان يرتدي "تريننج سوت" أبيض في أزرق داخل سيارته الخاصة لحظة دخوله المستشفي سيرا علي الأقدام.. وتبدو عليه علامات الإرهاق الشديد.
وبعد إجراء الفحوص الشاملة ثم إلي الطابق الثالث، حيث غرفة العناية المركزة وظل بها لفترة حتي تحسنت نبضات قلبه وضغط الدم وخرج منها.
وعند إفاقته من حالة الغيبوبة وخضوعه للتحقيق بمعرفة المستشار مصطفي سليمان رئيس الاستئناف لنيابة استئناف القاهرة والمستشار عبد الله الشاذلي المحامي العام لنيابات جنوب سيناء كان قد علم بأنه تم ترحيل نجليه إلي سجن مزرعة طرة بعد صدور قرار من النائب العام بحبسهما 15 يوما علي ذمة التحقيقات، ردد بصوت مرتفع تسبقه الحسرة والندم اتركوا أولادي وافعلوا بي ما شئتم .. إلا أولادي.. أولادي علاء وجمال.. بينما وقفت بجانبه زوجته سوزان مبارك بملابس عادية للغاية وترتدي باروكة فوق رأسها وهي تحاول أن تهدئ من روعه في حضور فريد الديب المحامي الذي وصل هو الآخر إلي المستشفي عقب اتصال أسرة مبارك به وكانت أسرة الرئيس.. ووجه له سليمان تهمة تحريض وزير الداخلية السابق حبيب العادلي علي التصدي للمتظاهرين بالقوة والعنف وإطلاق الأعيرة النارية عليهم.. فأجاب مبارك متعجبا من القاء التهم عليه وراح يعيد التهم مرة أخري إلي المسئول عنها وهو العادلي.. وقال مبارك إنه لم يصدر أوامر لوزير الداخلية بالاعتداء علي المتظاهرين وقتلهم وردد بصوت خافت آه يا زمن فعلوها وفي النهاية كلهم تخلوا عني .
وأكد الرئيس السابق ان العادلي خدعه بأن المظاهرة لن تستغرق وقتا ووصفها بأنها مجموعة قليلة من المنشقين يسهل تفريقهم باستخدام خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع.. وأكد مبارك أنه لم يعلق علي تقارير الوزير السابق التي كان يرفعها للرئاسة.
كما نفي الرئيس السابق علمه باللقاء الذي جمع العادلي وضباطه قبل يوم 25 يناير قبل الأحداث لتحريض بعض ضباط وافراد الشرطة الذين تقرر اشتراكهم في تأمين تلك المظاهرات في الميادين المختلفة بمحافظات مصر علي التصدي للمتظاهرين بالقوة والعنف باطلاق أعيرة نارية أو قتل المتظاهرين.
وردد مبارك قائلا العادلي خدعني.. خدعني.. ولم يكن علي قدر المسئولية.. وأنا لم أتدخل في شيء والدليل أنني عندما أيقنت أن ما يحدث إرادة شعبية لم أتراجع لحظة عن التنحي عن الحكم لأنني أحب مصر وصرحت أمام شاشات التليفزيون أنني سأموت علي ترابها.. ولن أهرب مثلما فعل آخرون.. كما وجه مبارك اتهاما للعادلي بارتكاب تلك الجرائم وأنه اتخذ قرار القتل والتصدي للمتظاهرين بمفرده ودلل علي ذلك باشاعة الفوضي وعدم تأمين أقسام الشرطة وأماكن تخزين السلاح مما أدي إلي حدوث اضرار بالمرافق العامة وممتلكات الدولة.
ومن ناحية أخري وجه المحقق للرئيس السابق تهمة تحقيق منافع مادية لنفسه والتربح بحصوله علي 341 مليون دولار هي قيمة منح خصصتها جهات أجنبية لصرفها علي مكتبة الإسكندرية إلا أنه قام بإيداعها في حساب سري خاص به.. ولم يتم إخطار وزارة المالية بهذه الأموال الطائلة ولم يتم إثباتها في ميزانية الدولة وكان رد مبارك أنه لم يستخدم هذه الأموال في أي أغراض شخصية ولم يحصل علي مليم واحد منها لنفسه.. وأضاف أن الحال الآن كما كان من قبل ملك للدولة ويمكن تخصيصه لأي عمل يريدونه ولم يسحب منه أي مبالغ وحساباته الشخصية لا تتجاوز آلاف الجنيهات في كل بنوك مصر وأقر عنها في إقرار الذمة المالية الذي تقدم به إلي الجهات المعنية.. وكانت التحقيقات مع مبارك استغرقت 5 ساعات متواصلة في إحدي الغرف المجاورة لغرفة العناية المركزة بالمستشفي.. كما احتوت قائمة الاتهامات التي واجهت بها النيابة مبارك 3 اتهامات أخري هي تسهيل الاستيلاء علي المال العام وتسهيل تربح صديقه الهارب رجل الأعمال حسين سالم من خلال تخصيص أراضي الدولة وقيامه بالإضرار بالمال العام من خلال إهدار ملايين الجنيهات من أموال الدولة نتيجة فروق أسعار تصدير الغاز لإسرائيل، بالإضافة إلي تضخم الثروة بشكل كبير.
وما زاد من انزعاج مبارك سماعه للهتافات التي وقف يرددها أبناء مدينة شرم الشيخ للمطالبة بترحيله من المستشفي إلي سجن طرة مع رجاله من الفاسدين أو مستشفي السجن مثلما ينص قانون العقوبات حيث راحوا يرددون "يا جمال قول لأبوك الشعب المصري بيكرهوك" و"عايزين فلوسنا يا حرامية" وغيرها العديد من الهتافات.. ومن جانبه تدخل أحد قيادات الأمن في المحافظة الساحلية لتهدئة المتظاهرين بالإشارة بعد تسريب قرار النائب العام بحبس أسرة الرئيس السابق علي ذمة التحقيقات معهم.. وعلي الرغم من الأنباء التي تؤكد تدهور الحالة الصحية لمبارك إلا أن المطالبات تجددت بترحيله إلي ليمان طرة تنفيذا لأحكام القضاء أو أن يتم إيداعه داخل مستشفي السجن .

اليوم السادس:
الشقيقان في طرة

أما بالنسبة لنجلي الرئيس السابق علاء وجمال فلا أحد منهما يصدق الأحوال التي تبدلت بهما إلي الأسوأ بعدما كانا يحصدان حظا وفيرا خلال السنوات التي جلس فيها والدهما علي عرش مصر.. فمن جانب علاء فقد وجد في نفسه الرجل الأقوي في مصر الذي يستطيع بفكرة بسيطة أن يؤثر في الاقتصاد القومي لمصر من خلال امتلاك شركات أو الدخول مساهما مع أصحابها.. وياويله يا سواد ليله من كان يرفض نجل الرئيس شريكا أو مشتريا لأسهمه في الشركة.. ومن يستطيع أن يخالف أوامر ابني الرئاسة اللذين تم تنصيبهما أوصياء علي الشعب المصري جمال يقرر سياسات للحكومة الذكية لكي تحققها من خلال حزبه الوطني.. ليس هذا فقط وإنما كانت المشاهد التي تجمعهما بكبار المسئولين والوزراء أبلغ دليل علي تأثيرهما في كل شيء.. ومنذ سنوات كانت الأخبار تتناثر عن قيام علاء ولم يخل الرئيس السابق حسني مبارك ونجلاه من الوقوف أمام جهات التحقيق التي تعاملت معهم كأي مواطن مصري حيث خضع كلاهما للمثول أمام فريق من المحققين المشكل بمعرفة النائب العام لسؤالهما في الاتهامات المنسوبة إليهما من قبل أبناء الشعب المصري تمهيدا لتقديمهما للمحاكمة الجنائية.. وما هي إلا ساعات قلائل أعقبت دخول مبارك الأب في غيبوبته المرضية والتي دخل علي أثرها غرفة العناية المركزة حيث أجريت التحقيقات مع نجلي مبارك حيث تم اقتيادهما إلي مجمع المحاكم في جنوب سيناء وسط حراسة أمنية مشددة واستمر التحقيق معهما حتي الساعات الأولي من صباح اليوم التالي.. وانتهت بصدور قرار النائب العام بحبس الرئيس السابق ونجليه بعدما وجهت إليهم كلهم قتل المتظاهرين خلال أحداث ثورة 25 يناير.. ويبدو أن القرار لم يكن غريبا علي الشقيقين لكنهما انخرطا في البكاء مطالبين بعدم المساس بوالدهما باعتباره ثروة قومية وأحد أبطال أكتوبر.. ولا يرضي أحد ما يتعرض له من حملات التشهير به.. وفور انتهاء التحقيقات معهما أشرفت أجهزة الأمن بقيادة اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية علي تأمين نقل الشقيقين من مقر المجمع إلي مطار شرم الشيخ لنقلهما والقيود الحديدية تزين أيديهما في إحدي الطائرات الحربية إلي مطار ألماظة تمهيدا لاستقلال سيارة الترحيلات التي ستنتهي بهما إلي سجن المزرعة.
وبعد فترة بسيطة كانت الطائرة الحربية قد وصلت إلي ألماظة وبمجرد هبوطها نزل منها جمال وعلاء ويرتدي كلاهما بدلة سوداء وفي يد كل منهما حقيبة صغيرة.. وتم تسليمهما بمعرفة الشرطة العسكرية إلي قوات أمن القاهرة.. واستقلا سيارة مصفحة حاصرتها 5 سيارات أمن وسيارة شرطة عسكرية وانطلق الموكب إلي سجن المزرعة.
وفي تمام السادسة والنصف صباحا من الأربعاء الثالث عشر من أبريل وصلت السيارة المصفحة إلي السجن ونزل منها الشقيقان مبارك واقتادهما الحرس إلي إدارة الأمانات حيث خلعا ملابسهما وارتديا الملابس البيضاء التي أحضراها معهما.
ولأن أحمد عز كان علي يقين بأن مبارك وأبناءه سيكونون نزلاء بجواره أعد نفسه لاستقبالهم حيث وقف في انتظارهما عندما علم بقدومهما إلا أن الشقيقين رمقاه بنظرة غضب ممتلئة بالكره الشديد.. وكان علاء أكثر توازنا من شقيقه الأصغر الذي بدا فاقد الوعي شاحب الوجه زائغ البصر.. وبعد مرور ساعتين كاملتين توجه الشقيقان جمال وعلاء إلي زنزانة أنس الفقي، وزير الإعلام السابق حيث تناولوا الإفطار سويا حيث اجتمعوا بباقي عناصر الفساد وأبدي الجميع مواساته لنجلي مبارك بينما اهتم هشام طلعت مصطفي رجل الأعمال المحبوس بالسؤال عن الحالة الصحية للرئيس السابق.

اليوم السابع:
مؤامرات الفاسدين

علي الرغم من أن اللافتة الكبيرة الموجودة أعلي المكان مدون عليها سجن مزرعة طرة إلا أن الحقيقة غير ذلك لما يجمعه من نزلاء كانت منذ شهور قلائل من علية القوم.. لا يستطيع أحد أن يشاهدهم عن قرب لكن الآن أصبح من حق نزلاء السجون التحدث إليهم وليس هذا فقط ولكن رشقهم بالألفاظ النابية والاتهامات التي كان لا يمكن لأحد أن يتلفظ بها منذ أن كانوا في قوتهم ولو في المنام.. أشياء كثيرة تغيرت وأحوال أخري تبدلت فأصبح اليوم كل شيء مباحا.. والحرية بلا منافسة.. والكل يتحدث ويعبر عما بداخله.. ومثلما يتشاور أبناء مصر في شئونهم الداخلية وكيفية الارتقاء بمصر في مجالات عديدة جلس هؤلاء الفاسدون ماليا وسياسيا وفكريا لتدبير ثورة مضادة من داخل مقرهم الاحتياطي في سجن مزرعة طرة أو كما يصفه البعض بورتو المزرعة.. أو القرية الطرية نسبة إلي رئيس وزراء الحكومة الذكية السابق.. أو برلمان المزرعة نسبة إلي الشريف وسرور.. أو حزب مزرعة الوطني نسبة إلي أحمد عز وجمال مبارك الذي تولي أمين لجنة السجناء.. بينما تولي عز أمين لجنة المصروفات.. والمغربي وزير شئون المرافق والزنازين.. وجرانة وزير شئون الزائرين.. أما علاء مبارك فهو شريك في كل هذه الأنشطة باعتباره فاهم شغله بدرجة كبيرة ويدرك كيفية تضخيم ثروته خاصة بعدما هددهم بفضح أمرهم أمام وسائل الإعلام والشعب الذي ينتظر إعدامهم.
ومنذ التحاق باقي عناصر الفساد في النظام البائد أخذ الجميع يترقب الاجتماع بهم.. فبينما دخل عزمي مقره الجديد في طرة ورفض مقابلة أحد من المسئولين السابقين الموجودين داخل السجن.. كما أنه رفض تناول أي أطعمة وحرص علي تناول الأدوية الخاصة به.. وفي اليوم التالي كسر نظيف عزوفه وانقطاعه عن مقابلة الفاسدين حيث دعاه لتناول الطعام معه من الزيارة التي استقبلها نظيف من الخارج.. وجلس الاثنان يتبادلان أطراف الحوار خلال الطعام حيث راح كلاهما يلصق الاتهامات بعز والعادلي ورجالهما.. وفي اليوم التالي كان الاثنان في استقبال رئيس مجلس الشوري السابق صفوت الشريف الذي لم يعقب سوي أن قال لنظيف إن الأولاد بتوع الثورة حبسونا.. وظل الجميع يوم التحقيق مع سرور في ترقب كامل.. حيث أطلق البعض الشائعات بأن سرور سيحظي وحده بالعودة إلي منزله ولن يأتي إليهم إلا أنهم اكتشفوا تقديرهم الخاطئ للأمور عندما حل عليهم سرور ضيفا جديدا ومن بعده كان جمال وعلاء واللذان هبطا إلي طرة وسط ذهول من نزلاء السجن غير مصدقين لما يدور حولهم.. وبعدما انتقلت منظومة الفساد داخل سجن طرة رأي البعض أن يتم اللقاء بينهم بصورة سريعة للوقوف علي خطورة الموقف الذي يهدد مستقبلهم جميعا.. وكانت الدعوة قد أطلقها زكريا عزمي وعلي الرغم من أنها لم تجد قبولها لدي أعضاء الفريق كاملا حيث كان كل منهم مهتما بكيفية الحصول علي براءته دون أن يحمل هموم الآخرين خاصة العادلي الذي قابله الجميع بوابل من العبارات التي حملت بين طياتها اتهامات صريحة له بالتسبب في مصيرهم المجهول بعدما فشل في مواجهة الأزمة التي تعرضت لها البلد أمنيا في حين أنه لم يستعد جيدا.. فضلا عن جمال مبارك الذي رفض تماما الحضور معهم لما علم بأن الجميع يصب غضبه عليه خاصة أنهم كانوا يعدون أنفسهم منذ شهور قليلة لتنصيبه حاكما علي مصر.. إلا أن سرور استطاع أن يجمع شمل الوزراء ورئيس الديوان وأبناء مبارك في حضور العادلي والشريف كما نجح في إزالة الخلافات بين العادلي ورجاله الكبار المتهمين معه في قتل الثوار.. وأكد سرور لهم أن الفترة القادمة يلزمها أن يكونوا قوة واحدة تخيف الشعب في الخارج حيث إن خلافاتهم داخل السجن تزيد الفجوة بينهم وتجعلهم لقمة سهلة في يد القضاء ورجاله.. وجلس الجميع في صمت لا يمتلك أحد القدرة علي الحديث إلا أن سرور ظهر أكثر تماسكا محتفظا بشتات قوته البدنية.. وأدار الحوار بينهم بطريقة اختلفت تماما عن طريقته المعهودة داخل البرلمان حيث أتاح الفرصة للجميع بالتعبير عن رأيه ولم يحجر علي أحد في رأيه بعدما أخبرهم بأنهم جميعا في مركب واحد.. ويجب البحث عن وسيلة لإنقاذ رقابهم من حبل المشنقة.. وأخذ كل منهم يبدي رأيه في كيفية الاستعداد لإدارة الثورة المضادة من داخل بورتو طرة حتي تنجح خطتهم في الإيقاع بين أفراد الشعب المصري والجيش بتسريب الأخبار الكاذبة.. وأخذ سرور والشريف في توزيع الأدوار علي المشاركين حيث أتقن كل منهم دوره جيدا لحين قدوم الوقت المناسب للتنفيذ بعدما نصحهم العادلي بالتأني فترة لحين استقرار الأوضاع حتي ينجح مخططهم.. وطالب جمال مبارك بسرعة البحث عن أي وسيلة للخروج من الكبوة التي أطاحت بهم من الساحة.. وكذا تنفيذ أي خطة تحفظ لوالده ووالدته كرامتهما وكيانهما أمام العالم وألا يتم الزج بهما في غياهب السجون.. وعندما اشتعل الحماس لديهم كان أحد حراس السجن قد أعلن عن ضرورة دخول كل منهم إلي زنزانته حيث اصطحب جمال شقيقه الأكبر علاء وتوجها إلي الزنزانة الخاصة بهما ونفس الحال لسرور والشريف حيث حصلا علي موافقة إدارة السجن للإقامة في زنزانة واحدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق