http://biladtiba.blogspot.com/

الخميس، 28 أبريل 2011

ليست مروءة ولا شهامة بقلم فهمي هويدي

مساء يوم الأحد الماضى ٢٤/ ٤ اتصل بى هاتفيا متحدث باسم قناة النيل للأخبار. وقال بصوت غلب عليه الانفعال إنه يريد منى تعليقا حالا علی قرار النائب العام بتحويل الرئيس السابق حسنى مبارك من شرم الشيخ إلى مستشفى عسكرى بالقاهرة إلى أن يرتب أمر إقامته فى مستشفى سجن مزرعة طرة. وقبل أن أرد عليه طلب منى أن أنتظر لحظة لكى يحولنى إلى الاستديو للتسجيل، لكن قاطعته وقلت إنه ليس لدىَّ ما أقوله فى التعليق على الخبر واقترحت عليه أن يسأل غيرى فربما وجد لديه بغيته، ويبدو أنه لم يتوقع اعتذارى فسكت، ثم اغلق الخط دون أن ينطق بكلمة.

كنت أستطيع أن أقول كلاما من قبيل إن إخضاع الرئيس السابق للمحاكمة العادلة التى تكفل له حق الكرامة والدفاع عن نفسه بمثابة تصرف متحضر يتناسب مع نبل الثورة السلمية التى وقعت فى مصر كما أنه يقتص بحق للشهداء الذين قتلوا فى التظاهرات التى طالبت برحيله وآلاف الجرحى الذين أصابتهم رصاصات رجاله.

لكن لم تعجبنى لهجة التشفى التى شعرت بها فى كلامه، مما أعطانى انطباعا بأنه يريد منى أن أشترك فى معزوفة هجاء الرجل ومعايرته بما انتهى اليه حاله باعتبار أنه سجن مصر وأهانها طيلة ثلاثين عاما، ثم ها هو يذوق ما أذاقه لشعبه، إذ يتعرض بدوره للسجن والإهانة.

صدتنى طريقته فى الكلام ليس فقط لأن بضاعتى قليلة فى قاموس الهجاء والشتائم، وليس فقط لأننى أعتبر أن الاجتراء والتطاول على أى شخص فى مثل موقف الرئيس السابق ليس من المروءة أو الشهامة فى شىء، ولكن لأننى قلت ما عندى فى حقه وحق نظامه ومن ثم أديت ما علىَّ وقت أن كان هو ورجاله فى كامل سلطانهم وأوج قوتهم وفى أكثر من مناسبة اختزلت موقفى فى أنه فى التعبير عن الرأى، ليست الشجاعة أن يسارع المرء إلى التقدم حين يرى الضوء الأخضر، ولكن الاختبار الحقيقى للشجاعة يكون حين يتماس المرء مع الضوء الأحمر ويخترقه غير مبالٍ به، ولا بالثمن الذى يتعين عليه أن يدفعه جزاء ذلك، قلت ايضا إن الصحفى النزيه ليس مطالبا بأن يقوم دائما بعمليات انتحارية أو استشهادية فى الكتابة، لكنه اذا لم يكن قادرا على أن يكون نصيرا للحق بقلمه فلا ينبغى له أن يصبح عونا للباطل.

ما دعانى إلى هذا الاستطراد اننى أجد كثيرين ممن ساروا فى موكب السلطان وحملوا له المباخر يتقدمون الآن صفوف «الثوار» ويبالغون كثيرا فى هجاء شخصه ونظامه ربما تكفيرا عن الذنب ومحوا للصورة المنطبعة فى الأذهان عن موقفهم السابق ومشكلة هؤلاء أنهم لطول ما تعلقت أبصارهم وأشواقهم بالسلطان، لم يدركوا أن ثمة قارئا ذكيا وداعيا يصعب استغفاله والضحك عليه، ويعرف لكل صاحب قلم قدره.

من المفارقات أن الذين يسرفون هذه الأيام فى التشفى والدعوة إلى الانتقام ويزايدون على الجميع فى فضح فساد النظام السابق، هم من إفرازات ذلك النظام وأبنائه الشرعيين، لذلك فلا يحق لهم أن يدعوا أنهم يمارسون شجاعة أو أنهم يؤدون استحقاق المهنة، بل إنهم فى حقيقة الأمر يتاجرون بالماضى ويسوقون للثرثرة والنميمة.

إن التنافس اليومى الحاصل الآن بين الصحفيين على اغراق القراء بتفاصيل حياة رموز النظام السابق فى سجن طرة خرج من نطاق المتابعة الخبرية، وأصبح اقرب إلى مادة «حكاوى القهاوى». لذلك فقد صرنا بحاجة إلى التعامل بمسئولية مهنية مع ما يجرى، توفر للناس حقهم فى المعرفة وتسمح للعدالة بأن تمضى فى مجراها الطبيعى، لكنها لا تشوه مدارك الناس، أو تلهيهم عن استحقاقات بناء النظام الجديد والوعى بما يجرى حولهم بالتوازى مع المسئولية المهنية التى أدعو إليها فإننا بحاجة لأن نفكر بشكل جاد فى كيفية طى صفحة الماضى ومداواة جراحه، كى نصرف الجهد ونشحذ الهمم لبناء المستقبل الذى قامت الثورة لأجل تصحيحه على نحو أفضل، ذلك أن الذين يطيلون النظر إلى الوراء يعجزون عن التقدم إلى الأمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق